الثلاثاء، 3 مايو 2016

التجربة الفنية تتجاوز القيود الدينية

الكاتب بهجت العبيدي البيبة 

إن  الحضارات  المختلفة لا تقاس بما تتركه الأمم من شواهد حسية فحسب، بل تحسب بتلك الثقافة، وهذه الفنون، وتلك الفلسفات التي تنتجها قريحة أبناء تلك الأمم.

 ورقي الأمم إنما يتم بما تنتجته قريحة مبدعيها من آثار تعصى على الزوال مع مر الأجيال، فلم تخلد الأمم إلا بتلك الآثار التي تركتها سواء أكانت مكتوبة أو مصورة أو مشيدة.

وهناك الكثير من الأمم طيها النسيان طيا، لا شيء سوى لأنها لم تبدع،  ما يستحق البقاء، أو تحفظه قريحة أبنائها وأبناء غيرها من الأمم عبر الأجيال المختلفة.

ولا يمكن للمبدع أن يحقق ذلك الإبداع إلا إذا امتلك الحرية - التي هي فطرة الإنسان - امتلاكا، فإن انتفت الحرية عن العمل الفني فإنه لن يترك أثرا في النفس، ولن يكتب له الخلود، ولن تذكر تلك الأمة - التي ضيقت على مبدعيها بفرض القيود - بين الأمم.

ولقد تقاطعت العلاقة كثيرا في مختلف الأمم بين الدين وحرية الإبداع، حيث تدور كل معاني كلمة الدين اللغوية حول التقييد والمنع، فللدين في اللغة  معان ستة هي:السلطان والطريقة والحكم والقانون والخضوع والجزاء، وكلها معان تحد من الحرية المقصودة هنا للمبدع.

 إن الشعر - على سبيل المثال - ديوان العرب كما قال عمر بن الخطاب، فلقد وعى الحياة العربية قبل الاسلام وبعده، وعكس لنا ثقافتهم، وطرائق تفكيرهم وعاداتهم المختلفة، وصراعاتهم ونفسيتهم. 

ولو لم يتمتع بالحرية شعراء العربية الذين تجاوزا - بعد الإسلام - الكثير ممن يفرض اليوم على المبدعين داخلا في باب الحل والحرمة - ما استطاعو أن يتركوا لنا تلك الآثار الخالدة الناتجة عن تجارب فنية ناضجة حرة.

 فالمبدع هو من يستشرف الغد، ويحقق وعي الأمة ويشكل وجدانها فيستنهضها في الملمات، ويثير حميتها في الازمات، ويرسم لها طريقها التي عليها أن تقطعها لتحقق الغاية المنشودة لأمة حية تريد أن تحقق ذاتها مرة وذوات أبنائها أخرى.

لم ولن نكون نحن الأمة الوحيدة التي تقيس الإبداع بمقياس تخضعه للدين، فلقد مرت غيرنا من الأمم بذلك، ولكن قيض لها من أبنائها من عملوا على أن يوفروا الحرية في مضمونها الصحيح لأبنائها مرة، ولمبدعيها على وجه الخصوص مرات ومرات.

لمطالعة المقال على #الحوار_المتمدن اتبع الرابط التالي:-
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=502252&r=0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق